23 يناير 2013

هل أنت معي أم ضدي ؟



الحاجة الإنسانية للتواصل مع الآخرين تعادل الحاجة للأكل والشرب والنوم . الإنسان محتاج للآخرين ليعيش معهم ، ليحدثهم ويحدثوه ، ليعبر عما يجيش بصدره ويسمع منهم . هذا  إذا كان طبيعيا لا يعاني من التوحد .

 لكي يتواصل الواحد مع الآخرين من بني جنسه قد يتأتى له ذلك بالكلام أو الاستماع أو الكتابة والقراءة . هذه هي المهارات الأساسية التي يعتمدها المرء في تواصله طيلة حياته في الحديث اليومي ، والإذاعة والتلفزة ، والموسوعات والصحف والمجلات ، بل حتى اللافتات وشتى أنواع الإشارات في الأزقة والدروب والشوارع . الدكاكين والمحلات التجارية أيضا تناديك بلافتاتها وإعلاناتها.
في العصر الحالي عبرت أنترنت عن هذا المفهوم بأبلغ صورة - أتحدث عن حاجة البشر للاتصال - ، عبرت عنها بالانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي . والحق أن أحدنا يجد عناية خاصة في صغره لتعلم الكلام ، وفي سنوات عمره الأولى يجد مساعدة كبيرة في تعلم الكتابة والقراءة ، لكن الحقيقة الثابتة هي أن مهارة الاستماع في آخر السلم . لا نتعلم غالبا في منازلنا أو مدارسنا مهارة الإنصات إلى الآخرين ومحاولة فهمهم .
في كل اتصال مع الوالدين أو الأبناء ، الإخوة أو الأصدقاء ، الأقربين والغرباء ، والخصوم والأعداء دائما نستخدم بعض هذه المهارات ، لكننا قلما ننصت جيدا خصوصا مع من يخالفنا الرأي .
في حياتك اليومية قد تختلف مع أي منهم في الرأي ، لكن هل تفكر بأنه ربما كان على صواب منذ البداية ؟ في كثير من المواقف والمجالس يحتد النقاش في مسألة ما ، وينبري كل منا للدفاع عن وجهة نظره قبل أن يكلف نفسه عناء التدقيق في فكرة محاوره وإمكانيتها .
هل أنت معي أم ضدي ؟
إذا كنت معي في رأيي سأقول ببساطة : كلامك منطقي ومعقول ، أنت على صواب ، أصبت الحقيقة ، هذا هو الواقع ، ... هذه أساليب أعبر لك فيها بأنك محظوظ لأنك  توافقني . أما حينما تخالفني فسأقول لك : شيء غريب أن يصدر منك هذا الكلام ، هذا لا يقول به عاقل ، هل أنت تعني ما تقول ؟
مئات التعابير نصدرها يوميا لنرسل للناس إشارات بأنهم معنا أو ضدنا .
شخصيا ، قد أخالف الكثيرين في الرأي ، وهذه سنة في الكون وطبيعة في البشر . لكن تلك الاختلافات تبدو لي شيئا مثيرا  ، وإليك البيان  ...
حينما تضع نظارة حمراء فأنت ترى الكون أحمر ، وتراه أخضر لو كانت نظارتك خضراء . ترى ، كيف سترى الواقع بدون نظارة ؟ إن كنت تعتقد بأنك سترى الواقع كما هو فإني أدعوك للتفكير مليا في اعتقادك ، لأن حياتنا تثبت عكس ذلك ، فما أكثر الأشياء التي نختلف حولها ونحن نعتقد بأننا نرى الأمور على حقيقتها ... هناك نظارات نضعها دون أن ندري ، وهي تحدد بشكل كبير كيف تبدو لنا الأمور ، لا ما هي عليه حقيقة .
قد تمر أمام العديد من الأشخاص ، وكل واحد منهم يسترعيه شيء محدد فيك ، فأولهم يهتم بشعرك ، والآخر ينظر إلى حذائك، والثالث سيميل إليك ، والرابع سيكرهك مجانا . لما تحصل كل هذه البلبلة ؟
ربما كان الأول حلاقا ، والثاني إسكافيا أو بائع أحذية ، والثالث بدوت له قريب الشبه بأحد معارفه المفضلين ، والرابع تُذكره بشخص أو تيار مكروه لديه أو تجربة سيئة .... كل واحد منهم يضع نظارة تحدد أولوياته ومعايير أحكامه ، ولكن من منهم يدرك بأنه يضع نظارة غير مرئية ؟
إن تجاربنا السابقة وتربيتنا وثقافتنا تشكل عاملا مهما في أحكامنا ورؤيتنا ، كذلك يشكل الوقت عاملا مهما في توضيح الصورة وتغيير الموقف .
في العام الماضي قمنا بتجربة مثيرة بينت كيف أننا جميعا ننظر إلى نفس المعطيات ، وتختلف زوايا أنظارنا بشكل عجيب . خلال تلك المحاضرة قسمت الحاضرين إلى مجموعات وطالبتهم بأن يحددوا لي عدد المثلثات في الشكل السابق خلال دقيقتين ، ويمكنك أنت أيضا أيها القارئ العزيز أن تضع جوابك معنا في التعليقات أسفل التدوينة . كان اختلافهم شيئا مثيرا بالنسبة لي ، فكل فريق كان يؤكد بشدة على صحة رؤيته . أضفت لهم دقيقتين أخريين فتغيرت مواقف أكثر المجموعات ..
هناك ملاحظة تبقى قناعة شخصية لدي ، هو أن الحقيقة الثابتة التي لا تقبل شكا عندي هي ما كانت وحيا من عند الله ورسوله ، لأن الوحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأما ما عدا ذلك فدعنا نختلف فيه كما نشاء . وأما بالنسبة للشكل السابق فسأذكر لاحقا ما أعتقد بأنه صواب في نظري ..

ليست هناك تعليقات: