أعلم أن الأكثرية الكاثرة من القراء وأخص منهم معارفي في
الجنوب يحلمون بالوظيفة . لأحلامهم ما يبررها ، لكن هل هناك ما يدعو لتحققها ؟ الأحلام
لا تتحقق لمجرد أننا نحلم بها ، فدون ذلك ما دونه . لكن ما رأيك بمن يحصل على
الوظيفة ثم يتركها طوعا ؟
لعلك تصفه بالجنون ، لكنه قطعا ليس كذلك ، صدقني ... ستستغرب حينما تعلم أنه ترك الوظيفية ليصبح زبالا يجمع القمامة.
لعلك تصفه بالجنون ، لكنه قطعا ليس كذلك ، صدقني ... ستستغرب حينما تعلم أنه ترك الوظيفية ليصبح زبالا يجمع القمامة.
اسمه شرف إمام سلامة ، شاب مصري تخرج سنة 1999 من جامعة الأزهر ، وتحديدا من كلية
العلوم قسم ميكروبيولجى . بعد تخرجه عين في هيئة المصل واللقاح ، ولم يلبث غير عام واحد حتى قرر التمرد على
الوضع فترك وظيفته الحكومية غير آسف عليها ، وراح يجمع القمامة من منازل قرية
البراجيل.
لو فعلها أحدنا لقيل له :
-
يگلع عنو بوه مفيسدو .... والله ألا لعاگ ...
في معركة النجاح التي خاضها شرف ساهمت أسرته وأقاربه
وجيرانه مساهمة كبيرة ، وتجلت مساهمتها في لعب دور العقبات . أجمعوا على انتقاده
والسخرية منه ، وناله الكثير من الهمز واللمز .
متناسبا كل العقبات شرع شرف في شق طريقه وفق رؤيته
الخاصة . أنشأ جمعية أهلية لحماية البيئة ونظافة المجتمع ، وانطلق مع بعض شباب القرية
لتنظيفها مقابل ثلاث جنيهات ، أي ما يعادل تسعة دراهم مغربية . من الأمور التي بشرت
بالخير حصوله على منحة من وزارة التضامن الاجتماعي تمثلت في سيارة نصف نقل مع بعض
أدوات النظافة.
لو أن سكان القرية اكتفوا بكلامهم المحبط لهان الأمر ،
لكنهم وضعوا المشروع الجديد في مأزق ، فغالبا ما كانوا يرفضون دفع النقود، وأحيانا
كانت عمارة بأكملها تدفع ثلاث جنيهات .
مرور أربعة أشهر كان كافيا ليلمس الناس قيمة العمل الذي
يقوم به شرف ورفاقه . فقد صار الفارق كبيرا بين قرية اليوم وقرية الأمس . المنازل
والأزقة والشوارع صارت أكثر نظافة ورقيا من ذي قبل ، كما أن ركام الأزبال الهائل
الذي كان يربض بمدخل القرية اختفى تماما . بدأ الناس ينتظمون في دفع رسوم خدمة
النظافة ، بل صار الشباب يقبل للعمل مع صاحبنا . أصبح الكل يساهم في إنجاح المشروع
كما يقول شرف ، خصوصا أئمة المساجد الذين كانوا يشجعون الناس على التعاون معه ...
ومن هنا يكون قد تجاوز منطقة الخطر .
قرر صاحبنا أنه قد حان الوقت لتطوير مشروعه ، فبعد أن
كان يقوم بتجميع النفايات ، انتقل إلى تصنيفها وفرزها تمهيدا لبيعها . كانت
النفايات تزخر بالمواد الأولية التي يمكن بيعها للمصانع لإعادة تدويرها . يقول شرف
:
- حققت مكاسب كبيرة مع التصنيف، فالورق تصل نسبته
بالقمامة إلى 15%، وكنت أبيع الطن منه بحوالي 30 جنيها، والزجاج ونسبته 3% يصل ثمن
الطن إلى 80 جنيها، وطن البلاستيك 800 جنيه، أما أسعار المعادن المستخرجة من
القمامة فتتراوح بين 3 و6 آلاف جنيه.
يؤكد شرف أن القمامة تعد من أغنى
الموارد التي بالإمكان استغلالها، خصوصا قمامة القرى والقاهرة، فالدراسات أكدت أن
أرباح طن القمامة تبلغ 6 آلاف جنيه،علما بأن القاهرة تنتج 15 ألف طن، مما يعني توفير
120 ألف فرصة عمل للشباب .
يعتقد شرف بأن القرى من أهم
المصادر التي ينبغي استغلال قمامتها، إذ تمثل المعادن نسبة كبيرة منها ، نظرًا
لعدم وجود تجار خردة فيها ، مما يضطر السكان إلى إلقاء المخلفات الغنية بالمعادن والخشب
والبلاستيك.
بعد خمس سنوات من العمل الدؤوب ، أصبح شرف مليونيرا وأشهر زبال
في العالم العربي، و لقصته بقية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق