12 يناير 2013

ترك الوظيفة ليصبح مليونيرا - الجزء الأول


منجم المعادن الثمينة قرب مدينة طانطان
أعلم أن الأكثرية الكاثرة من القراء وأخص منهم معارفي في الجنوب يحلمون بالوظيفة . لأحلامهم ما يبررها ، لكن هل هناك ما يدعو لتحققها ؟ الأحلام لا تتحقق لمجرد أننا نحلم بها ، فدون ذلك ما دونه . لكن ما رأيك بمن يحصل على الوظيفة ثم يتركها طوعا ؟
لعلك تصفه بالجنون ، لكنه قطعا ليس كذلك ، صدقني ... ستستغرب حينما تعلم أنه ترك الوظيفية ليصبح زبالا يجمع القمامة.
اسمه شرف إمام سلامة ، شاب مصري  تخرج سنة 1999 من جامعة الأزهر ، وتحديدا من كلية العلوم قسم ميكروبيولجى . بعد تخرجه عين في هيئة المصل واللقاح ،  ولم يلبث غير عام واحد حتى قرر التمرد على الوضع فترك وظيفته الحكومية غير آسف عليها ، وراح يجمع القمامة من منازل قرية البراجيل.
لو فعلها أحدنا لقيل له :
-    يگلع عنو بوه مفيسدو .... والله ألا لعاگ ...
في معركة النجاح التي خاضها شرف ساهمت أسرته وأقاربه وجيرانه مساهمة كبيرة ، وتجلت مساهمتها في لعب دور العقبات . أجمعوا على انتقاده والسخرية منه ، وناله الكثير من الهمز واللمز .
متناسبا كل العقبات شرع شرف في شق طريقه وفق رؤيته الخاصة . أنشأ جمعية أهلية لحماية البيئة ونظافة المجتمع ، وانطلق مع بعض شباب القرية لتنظيفها مقابل ثلاث جنيهات ، أي ما يعادل تسعة دراهم مغربية . من الأمور التي بشرت بالخير حصوله على منحة من وزارة التضامن الاجتماعي تمثلت في سيارة نصف نقل مع بعض أدوات النظافة.
لو أن سكان القرية اكتفوا بكلامهم المحبط لهان الأمر ، لكنهم وضعوا المشروع الجديد في مأزق ، فغالبا ما كانوا يرفضون دفع النقود، وأحيانا كانت عمارة بأكملها تدفع ثلاث جنيهات .
مرور أربعة أشهر كان كافيا ليلمس الناس قيمة العمل الذي يقوم به شرف ورفاقه . فقد صار الفارق كبيرا بين قرية اليوم وقرية الأمس . المنازل والأزقة والشوارع صارت أكثر نظافة ورقيا من ذي قبل ، كما أن ركام الأزبال الهائل الذي كان يربض بمدخل القرية اختفى تماما . بدأ الناس ينتظمون في دفع رسوم خدمة النظافة ، بل صار الشباب يقبل للعمل مع صاحبنا . أصبح الكل يساهم في إنجاح المشروع كما يقول شرف ، خصوصا أئمة المساجد الذين كانوا يشجعون الناس على التعاون معه ... ومن هنا يكون قد تجاوز منطقة الخطر .
قرر صاحبنا أنه قد حان الوقت لتطوير مشروعه ، فبعد أن كان يقوم بتجميع النفايات ، انتقل إلى تصنيفها وفرزها تمهيدا لبيعها . كانت النفايات تزخر بالمواد الأولية التي يمكن بيعها للمصانع لإعادة تدويرها . يقول شرف :
- حققت مكاسب كبيرة مع التصنيف، فالورق تصل نسبته بالقمامة إلى 15%، وكنت أبيع الطن منه بحوالي 30 جنيها، والزجاج ونسبته 3% يصل ثمن الطن إلى 80 جنيها، وطن البلاستيك 800 جنيه، أما أسعار المعادن المستخرجة من القمامة فتتراوح بين 3 و6 آلاف جنيه.
يؤكد شرف أن القمامة تعد من أغنى الموارد التي بالإمكان استغلالها، خصوصا قمامة القرى والقاهرة، فالدراسات أكدت أن أرباح طن القمامة تبلغ 6 آلاف جنيه،علما بأن القاهرة تنتج 15 ألف طن، مما يعني توفير 120 ألف فرصة عمل للشباب .
يعتقد شرف بأن القرى من أهم المصادر التي ينبغي استغلال قمامتها، إذ تمثل المعادن نسبة كبيرة منها ، نظرًا لعدم وجود تجار خردة فيها ، مما يضطر السكان إلى إلقاء المخلفات الغنية بالمعادن والخشب والبلاستيك.
بعد خمس سنوات  من العمل الدؤوب ، أصبح شرف مليونيرا وأشهر زبال في العالم العربي، و لقصته بقية .

ليست هناك تعليقات: