في حي
الجنود نشأت ، وكانت أمامنا مدرسة يمتد سورها "يسد الأفق" . الآن يمكنني
أن أتجاوزه من أقصاه إلى أقصاه في دقيقة أو اثنتين . جيراننا كانوا من بسطاء آخرين
، إلا أننا كنا أبسطهم .
حينما تجاوز عمري اثنتي عشرة سنة طلبت من والدتي أن تسمح لي ببيع الخبز للجيران صباحا فوافقت . حصلت على تمويل كبير قدره عشرة دراهم - أي ما يعادل دولارا واحدا في ذلك الزمان – ثم أخذت كيسا قديما يستوعب بضاعتي الثمينة .
حينما تجاوز عمري اثنتي عشرة سنة طلبت من والدتي أن تسمح لي ببيع الخبز للجيران صباحا فوافقت . حصلت على تمويل كبير قدره عشرة دراهم - أي ما يعادل دولارا واحدا في ذلك الزمان – ثم أخذت كيسا قديما يستوعب بضاعتي الثمينة .
كان يتوجب علي أن أستيقظ باكرا لأنطلق نحو فرن المدينة الوحيد حينها فرن "مانولو" ، وأعود بالخبز الساخن لأبيعه لربات البيوت أمام كل بيت حتى لا يتكلفوا عناء الذهاب إلى دكان الحي ، أو يكلفوا أبناءهن بالخروج من بطانياتهم الدافئة في جو بارد . كانت الزبونات متحمسات وبشوشات . قد يجمعن كل الصفات الحسنة إلا صفة واحدة : وهي دفع ثمن ما يأخذنه مني .
- في ما بعد
يا ابن السملالي ، في ما بعد .
كان
البيع يتم بالدين ، وكنت أستحي من الوقوف على أبوابهن ، لذلك لم يأت اليوم
الرابع إلا وكنت داخل بطانتي كبقية أبناء الحي ، لكنني مفلس . ولم يأت ذلك الـ
" في ما بعد"
أبدا ، وتعلمت دروسا لا يمكنني تعلمها من المدرسة في ذلك الزمان ، وهو أن التجارة
تحتاج إلى رأس مال ، وأن الدين من أكبر الآفات على التاجر ، وتعلمت أن جاراتي
البشوشات هن أسوأ المخلوقات على وجه الكرة الأرضية ، بعد القنبلة النووية طبعا.
كانت إحدى
جاراتنا عائدة إلى بيتها ظهرا ، تحمل على ظهرها ابنها الصغير ، وكان لديها ابن
أكبر منه لعله يبلغ ست سنوات اسمه فؤاد ، تركته في المنزل مع أبيه . قابلتها خارج
الحي ، ولأني كنت أمتلك شعبية كاسحة فإنها ابتسمت لي وقالت :
- كيف حالك يا
ابن السملالي ؟
- بخير.
فكرتُ برهة
، ثم استوقفتها و قلت:
- هل تعلمين ؟
اتسعت
ابتسامتها وقالت :
- وكيف أعرف
وأنت لم تخبرني ..
- فؤاد ...
زالت
ابتسامتها في لمح البصر وسألتني بلهفة :
- ماذا حصل له
؟؟
- لا شيء ...
لقد سقط من سطح منزلكم .
صرخت
المسكينة :
- ناري ....
ناري ... (يا ويلي ...)
فقدت المرأة
المسكينة صوابها وأسرعت تريد الذهاب إلى بيتها من حيث أتيتُ أنا فقلت لها :
- إلى أين ؟
أجابتني
بصوت متهدج :
- إلى البيت
...
فقلت لها
بكل برود :
- لا ... لا
داعي لذلك ، لقد حملته سيارة الإسعاف .
انطلقت تجري
في الإتجاه المعاكس صوب المستشفى فقلت لها :
- لا داعي
لذلك .... فات الأوان ... لقد مات .
ذهبتُ إلى
حال سبيلي ، ولم أعرف في أي اتجاه سارت بعد ذلك .
حينما حل
المساء كانت خطوط كثيرة مختلفة الألوان تغطي جسدي رسمتها أمي عليه لما علمت بما
فعلت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق