14 يناير 2013

أصدقاء بلا حدود


منذ أزيد من عشرة أيام ، لا أغادر المنزل إلا نادرا بسبب المرض . اليوم شعرت بقليل من التحسن ، لكن خروجي من المنزل سيبقى محصورا بين الفترة الدافئة من النهار .
وطيلة الأسبوع الأخير فَلَقَ محمد وهاجر رأسي بذكر بطولة الكرطي التي قُرِّر تنظيمها على عجل بمدينتنا طانطان ، مما يعني لهم فرصة ثمينة للمشاركة .
لكن آمالهما خابت لما علما بأنهما لا يستطيعان المشاركة لصغر سنهما ، فهاجر تبلغ عشر سنوات ، ومحمد أصغر منها بعام .
لقد انضما إلى نادٍ من نوادي الكراطي قبل عام تقريبا ، وهما متحمسان للغاية في هذه الرياضة . لما علما بأنهما لن يشاركا أصرا على حضور هذه التظاهرة الرياضية . كيف لا وقد اجتمع المشاركون من مدن شتى لما قادهم القدر إلينا .
في الصباح الباكر البارد نهضا بسرعة على خلاف العادة ، فبرودة الجو في يوم الأحد يغريك بالبقاء في الفراش أطول مدة ممكنة ، لكنهما اليوم كانا على أهبة الاستعداد . لقد حدد لهم مدربهم الثامنة والنصف صباحا موعدا للانطلاق إلى القاعة المغطاة في أقصى المدينة ، كما حدد لهم موعد العودة مساء عند غروب الشمس ، مما يعني أنهما ملزمان بحمل ما يُقِيم أَوَدَهُما خلال هذا اليوم المشهود في حقيبة صغيرة .
كنت أتمنى أن أرافقهما لكن برودة الجو في فترة النقاهة لا تفهم هذه الاعتبارات . انطلقا على عجل ، ولم يتناولا من إفطارهما إلا القليل بعد "التهديد" بالحرمان من الذهاب لو يأكلا شيئا .
حلت العشرة صباحا ، وكانت الشمس الدافئة تغري بالخروج ، فانطلقت إلى حيث تقام هذه البطولة التي جمعت ربع المدن المغربية .
لما وصلت إلى القاعة المغطاة ، وجدتها تعج بالحركة والأصوات ، والبذلات البيضاء المميزة للاعبين تعطي شعورا بالوحدة (من الاتحاد وليس الغربة) ..صعدت الدرجات وأطللت من أعلى على الملعب حيث كان ممتلئا بالحكام والمشاركين ... وعلى يساري غير بعيد رأيت محمدا وهاجر ... كانا في قمة الحماس والانفعال ، فلأول مرة يريان هذه الحشود من لاعبي رياضتهم المفضلة . أخذتهما إلى دكان ، فأخذا منه ما أرادا ، وفي طريقنا للقاعة قابلت شابا "أبيض في أبيض " ، تعارفنا سريعا . اسمه بدر آيت كاجواد من تادرودانت ، وطلبت منه أن يقوم بالكاطا مع الصغيرين فوافق ... راحا يسيران معه في تناغم يمنة ويسرة ، إلى الأمام والخلف ... فلما انتهت الكاطا كانت قد غمرتهم الفرحة ، كيف لا وشخص غريب يتنازل لهما لكي يمارس معهما رياضتهما الأثيرة .
صعدنا مجددا ، ولكنني صدمت لما نظرت إلى الملعب . ففي إحدى جنباته وبين أربعة حكام كان هناك فتى مديد القامة يستعرض الكاطا أمامهم بطريقة لا يمكن أن تصفها إلا بأنها ساحرة تخلب الألباب . إضررت إلى إن أشق طريقي نحوه لأراه عن قرب ، وطفق يهزم منافسيه واحدا تلو الآخر حتى لم يبق غيره. سألت جليسي عنه ، فقال لي :
-                      إنه زميلي من نادينا بمدينة بيوگرا ...بطل الجهة غالبا، وإذا شارك في البطولة الوطنية فإنه ينتزع المرتبة الثانية أو الثالثة ...
لما انتهى الفتى البطل ، طلبت منه أن يمارس الكاطا مع الصغيرين فرحب بذلك . عرفني بنفسه وقال :
-                      اسمي زكريا العبقري ، من مواليد سنة 1993 بمدينة أگادير . العبقري رضوان والدي أستاذ للرياضة ، ورياضي غير معروف في رياضة الكراطي ، غير أنه معروف في رياضة الجمباز . هو الذي شجعني على ممارسة هذه الرياضة لما كان عمري ست سنوات . كدت أن أنقطع عنها في البداية لولا إصراره ، ثم وجدت لهذه الرياضة حلاوة ولذلك أنا لازلت مستمرا في مزاولتها .
انصرف البطل منتشيا بانتصاره ، وانصرف الصغيران في قمة السعادة من هذه الأجواء ، أما أنا فقد كنت أراقب الشمس التي خفت حرارتها بعد العصر ، وأتعجب من هذه الرياضة التي تكسر الحواجز ، وتكسبك أصدقاء بلا حدود ...

ليست هناك تعليقات: