10 يناير 2013

قصة محروگ بوه



كانت جدتنا تحكي لنا حكايات . أبطالها كانوا أحيانا رجالا ونساء من الصحراء ، وتارة أخرى مخلوقات أخرى تعيش فيها . تتفاوت حكايات جدتي بين التبسيط والتعقيد ، والإيجاز والتطويل . وكان مما حكته لنا حكاية محروگ بوه .

تلك الحكاية سمعناها منها مرارا ، بل وسمعناها من آبائنا وأمهاتنا مرات عديدة أخرى. فما معنى محروگ بوه ؟

الترجمة الحرفية لن تقودك إلى شيء ، لكن المعنى الذي أراه مناسبا لها هو "عديم الأصل" ...

في الثقافة الحسانية يعد هذا الوصف بشعا ، قد لا يفوقه بشاعة إلا الكفر . والصحراويون الأولون – وبقاياهم من الآباء والأجداد – يمسكون كلامهم فلا يخرج إلا بمقدار ، وليس فيه ما يخدش الحياء . لقد كانوا يختارون من العبارات ألطفها وأدلها على المراد ، ويبتعدون عن كل كلمة سليمة لها إيحاءات أخرى . بل إن نقد الكلام والتعابير معروف حتى لدى الصغار ، ويسمونه الشگارة. ( وليس الشكارة)... ويعد اعتزازهم بالأصل مما لا يمكن التساهل فيه ، ولعلك تعلم بأنهم لا يقبلون منك نسبة الشخص إلى أمه كـ"ابن فلانة" ، لأنها تعد إشارة إلى كونه ابن زنا . وإن كنت مضطرا إلى تعريفه عن طريق أمه فلك أن تقول : "الذي أمه فلانة" .


ما المغزى من هذه القصة ؟

لا شك أن القصة تدعو إلى العمل ، وتنبذ الكسل بطريقة غير مباشرة . لكن ما لفت انتباهي هو كيف يردد أجدادنا وآباؤنا قصة رجل يسب نفسه بأبشع صفة مقابل عدد من النوق ؟ ما الذي يدعوهم إلى نشر هذه السلوك ؟

عند التأمل يبدو لي أن هذه القصة تنسجم مع منهج حياتهم الذي كان قائما على الكدح والعمل ، وعدم الركون إلى الأنساب خلافا لما قد نظن .إننا نلمس في أسلوب الصحراويين نوع من الشدة تتناسب مع شدة اعتزازهم بأصولوهم ، وكأنهم يقولون : لا شك النعت بانعدام الأصل إهانة بالغة للمرء ، لكن الأشد أن يكون عالة على الآخرين .

يغني عن ذلك قول ألطف الخلق وأحكمهم صلى الله عليه وسلم :

والذي نفسي بيده ، لأن يحمل أحدهم حبله فيحتطب على ظهره ، خير له من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه .

قال الشاعر :

ليس الفتى من يقول كان أبي   إن الفتى من يقول ها أنذا

وكان الحجاج بن يوسف الثقفي يسأل الرجل سؤالا معقدا يختبر به عقله :

-     أعصامي أنت أم عظامي ؟

عصامي يعني بها أنك معتمد على نفسك ، وعظامي أي : أنك تتكئ على أجدادك وتفتخر بهم . وذات يوم رأى رجلا أعجبه كلامه و هيأته ، فسأله ذلك السؤال ، فأجابه الرجل :

-       بل عصامي وعظامي .

وأعجب الحجاج بجوابه . لكن تبين له بعد أيام أن الرجل ليس عاقلا كما كان يتصور ، فقال له :

-     لتخبرنني بمن أوحى إليك بذلك الجواب أو أضرب عنقك .

فقال له الرجل :

-           أيها الأمير ، والله ما أدري ما عصامي ولا عظامي ، لكنني رجوت أن تعفو لي بإحداهما .

ليست هناك تعليقات: