حينما تخرج يوميا صوب مقر عملك إن كنت عاملا ـ أو صوب
المدرسة أو الثانوية أو الجامعة فإنك غالبا تسلك نفس المسلك ، ولكنك قليلا ما تسأل
نفسك عن سبب ذلك الاختيار . حينما تضع كتبك أو أغراضك في مكان معين ، فأنك تفعل
ذلك بتلقائية ، ولا تسأل نفسك عن سبب اختيار ذلك المكان دون غيره . ولو قيل لك اخط
ألف خطوة في اتجاه الشمال أوالجنوب لبدا لك الأمر فيه مشقة ، لكنك في الواقع
ويوميا تخطو آلاف الخطوات دون أن تنتبه لها .
هذا الأمر يسمى عادة . والعادات تتحكم فينا بشكل كبير ، فتسهل
لنا القيام بأمور كثير في حياتنا دون أن تشغل حيزا كبيرا من الفكير والتركيز ، غير
أننا أحيانا نقع ضحية لها دون أن ندري . نعم ، نحن ضحاياها حينما يكون تأثيرها
سلبيا ، لكنها نعمة كبرى حينما تلزمنا بما فيه خيرنا .
لكن كيف نشأت تلك العادات ؟ لعلك تعجب بأن أي عادة مهما
كانت بدأت بخاطرة ، ثم تحولت إلى فكرة ، ثم إلى قرار ، ثم إلى فعل . تكرر الفعل
فصار سلوكا ، وترسخ السلوك ليصير عادة . وحينما أسأل نفسي أحيانا : لماذا أسلك هذا
الطريق ، أجد بأنني في بداية الأمر فعلت ذلك لأقابل شخصا ، أو أتفادى آخر ، أو
أحصل على مزية من ذلك الطريق . ومع مرور الوقت تختفي تلك الأسباب ، وتستمر العادات
. وأدعوك لتطبيق ذلك عمليا ، فكر في كل السلوكات التي تتصرف بها على نحو آلي ، فكر
في كل اختياراتك ، ستجد أن خلف نشأة كل تلك العادات اعتقادات نسيتها ، وهي التي
أدت إليها . طبق ذلك على نفسك ، واسأل أصدقائك ثم تمتع بالاكتشاف .
ومن عجائب الحالات الانسانية أن الانسان قد يتبلد إحساسه
حتى لا يشعر بتأثيرها عليه فينكره ، أو يعترف بها مع الاعتقاد بأن ليس في الامكان
الخروج عن دائرة تأثيرها .
منذ خلق الله الخلق ، والجاذبية الأرضية تجذب ما على
الأرض صوب الأرض . ومن الصعب القطع بأن نيوتن هو أول من لاحظ تأثير الجاذبية ،
لكنه الأول حسب علمنا . لقد طرح سؤالا بسيطا في شكله ، لكنه عميق في مضمونه ، لماذا
سقطت إلى الأسفل ولم تسقط نحو الأعلى ؟
سؤال مثل هذا حينما يطرح أمام عامة الناس سيجعل قائله قبلة
للتندر والتفكه ، ولا يعلم المتندرون والمتفكهون بأنهم هم المساكين .لقد لاحظ
نيوتن أن هناك عادة تتحكم فينا دون أن ندري ، ومنذ ذلك الحين بدأت المحاولات
الجدية للانفلات من سطوتها انتهت بتمكن الانسان من الطيران وأخيرا بغزو الفضاء .
لما تمكن الانسان من القيام بخطواته الأولى فوق سطح
القمر كانت الكلمات عاجزة عن التعبير ، فعبارات مثل "غير معقول"
و"رائع" كانت لا تفي بالغرض . كلمات الإعجاب تحمل دلالات وتساؤلات مثل :
كيف تأتى لهم كسر حاجز الجاذبية ؟ كيف تسنى لهم الافلات من هذه العادة القوية التى
رزح البشر تحتها لأجيال وأجيال ؟
يقول ستيفن كوفي – بتصرف - بأن رواد مركبة أبوللو2 كان
من اللازم عليهم أن يتخلصوا فعليا وحرفيا من الجاذبية ، وقد تطلب منهم تحقيق ذلك
جهدا كبيرا ، لكن ... وينبغي أن نضع تحت خطا ، في الدقائق الأولى للرحلة استهلكت
المركبة الجزء الأكبر من الطاقة التي بحوزتها ، بينما كان الباقي منها كافيا لها
لتسافر عبر نصف مليون ميل خلال الأيام التالية .
حينما تخلصت المركبة من العادة المتحكمة خلال دقائق –
وكان الثمن باهظا – لم تجد بعد ذلك صعوبة في الانطلاق صوب أرجاء الكون الفسيحة .
لعلك وقعت ضحية لعادة التدخين أو الإدمان أو النوم أو
... أو حتى الاستهلاك في مجتمع صار مستلهكا بعيدا عن الانتاج . توقف لحظة لتقرر
حجم الطاقة اللازمة لكي تحرر نفسك ... والله الموفق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق