قبل شهر اتخذت قرارا مهما ، وهو التدوين . والذين سبقوني
إلى هذه الفكرة يدركون جيدا أنه قرار شجاع !! فأول ما سيتبادر إلى ذهنك هو :
1 – عماذا أتحدث ؟
2 – هل أوفق في الاستمرار ؟
بالطبع هناك أسئلة أخرى جالت بفكري سأذكرها لاحقا ، لكن
الأهم في نظري هو ما سبق . عماذا أتحدث ؟ لا أظن الإجابة صعبة ، وهي باختصار تحدث
في ما تحبه وتهتم به ، وما تظنه يهم القارئ . نعم ، القراء ليسوا سواء ، ولن يكون
بإمكانك إرضاؤهم جميعا ، ولكن أرضِ ضميرك أولا وقل ما تعتقد أن الحق والصدق . لا
شك أن هناك فئة ولو قَلَّت ستستفيد مما تخطه ، ولا تحتقر من المعروف أن يستفيد شخص
واحد مما تقول .
لقد ذكر الأستاذ رؤوف أنه دوَّن خلال خمس سنوات ، ولم
يكلف نفسه يوما عناء التفكير في مواضيع الأيام القادمة . إن كنتَ في ريب من قوله ،
فأنني أؤكد لك أنه صحيح . كن فقط على استعداد لالتقاط الإلهام مما حولك ومما تراه
وتقرأه. وإذا لم يحدث ذلك تحدث عن مشكلة انعدام الإلهام J
من بين الأشياء التي كنت أضعها نصب عيني ، أن أصالة
محتوى المدونة شيء مهم ، فأي شخص يستطيع أن ينسخ مواضيع لآخرين ، لكن أن تكتب
القليل من إنتاجك هو الصعوبة نفسها ، والمحتوى الجيد لا يحتاج إلى دعاية ، وهو تحد
كبير بالنسبة لي .
أحيانا ، كنت أراقب سلوك قرائي وأعتقد أنني أفهمهم ،
لكنني أصر على ألا يكون سلوكهم محددا لتوجهي في الكتابة ، بل ما أعتقد أنه الصواب
. ولا أظن أنه بإمكاني الحكم على نفسي ، دون أن تميل نفسي إلى نفسي .
من مزايا بني البشر أن لهم تاريخا وثقافة تتراكم عبر
الأجيال . ولقد عُدَّ اختراع الكتابة من بين أهم الأحداث في تاريخ الانسان ، لأنه
يعني ببساطة أن تجارب الآباء والأجداد لن تضيع سدى ، وأن الأبناء والأحفاد
سيراكمون تلك الخبرات لما فيه خيرهم وسعادتهم .
كلنا يعلم أن الانسان اجتماعي بطبعه ، ميال إلى التواصل
مع أبناء جنسه، فكلنا نتحدث ونكتب . لكن من الغريب حقا في عالم البشر أن الإنسان
قد يكتب لأشخاص لم يسبق له أن قابلهم في
حياته ، بل الأعجب من ذلك أنه قد يكتب لمن لم يولدوا بعد ، يكتب للمستقبل . انظر
مثلا إلى المؤلفين والمؤرخين من أجدادنا كيف كتبوا لنا قبل أن نكون شيئا مذكورا ،
وهذا شيء أستشعره حينما أكتب .
هل أوفق في الاستمرار في الكتابة أولا ؟
سبق لي أن طرحت هذا السؤال في أول تدوينة لي ، وأجبت بأن
ذلك مما لا يمكنني معرفته لأنه في المستقبل . الآن بعد مرور شهر من التدوين أعلم
أنني وفقت في الاستمرار خلاله ، لكن ماذا
عن الشهور القادمة ؟ نفس الجواب : لا يهم .
عادة ، حينما يدون أحدنا يتساءل عن مدى تفاعل القراء مع
المدونة ، وهو يقصد بذلك تعليقات القراء . لعل المدونين يحبون أن يعلق القراء أسفل
تدويناتهم ، لكن الواقع لم يكن ذلك بالنسبة لي . أقصد أنني لا أتوقف عند تلك
النقطة كثيرا .
في نظري ، القارئ حينما يفتح الصفحة قد يغلقها مباشرة ،
وقد يمضي مدة قد تطول وقد تقصر . وكل ذلك مؤشر على درجة معينة من التفاعل ، لكنه
قد يتطور إلى درجة أكبر تسمى التعليق ، وربما إلى درجة أكبر وهي نشر ذلك المحتوى .
كم أكتب ؟ لم أتوقف عند هذه النقطة لمدة طويلة ، لكنني
وضعت مقياسا ناسبني في تلك الفترة ، وهو ألا يقل عدد كلمات التدوينة عن أربعمائة
كلمة . نعم ، قد تبدو قليلة في نظر البعض لكنني آثرت التعويل على الاستمرارية
وأصالة المحتوى ، وتخليت عن التطويل مؤقتا . لكنني لاحظت أنني كلما كتبت نصا سرديا
إلا وجرى القلم بيسر ، وكلما كان الأمر متعلقا ببحث أو حوار إلا وكانت المشقة أكبر
.
لعلك عزيزي القارئ تظنني أميل إلى تجزيء المواضيع . أنا
أيضا كنت أظن ذلك سابقا ، لكنني أؤكد لك أن الأمر مختلف من موقعي ، فهو من بين
أبغض الأشياء إلي ، لأنه يقيدني من حيث الموضوع والوقت . فلا يصلح أن تكتب موضوعا
آخر أعجبك قبل إنهاء الموضوع المجزأ . إضافة إلى ذلك ، القراء ينتظرون بقيته ، فلو
لم تكتبه لم تزد على خلق الاستياء بأيسر السبل .
أخيرا ، لم أتمكن خلال أيام من التدوين بسبب الأسفار ،
أو تواجدي في البادية بعيدا عن أسباب الكتابة لكنني عموما أقول بأن جزء كبيرا مما
خططت له قد حصل بعد توفيق الله ، وإذا كنت أنا قد نجدت فيها فأني أدعوك على وجه
التفكير جديا في فتح مدونتك ولا تقلق نفسك قائلا : هل أستمر في التدوين ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق